فصل: ذكر وفاة العلاء بن الحسن وما كان بعده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة قبض بهاء الدولة على الفاضل وزيره، وأخذ ماله، واستوزر بهاء الدولة سابور بن أردشير، فأقام نحو شهرين، وفرق الأموال، ووقع بها للقواد قصداً ليضعف بهاء الدولة، ثم هرب إلى البطيحة، وبقي منصب الوزارة فارغاً، واستوزر أبو العباس بن سرجس.
وفيها استكتب القادر بالله أبا الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان.
وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إسحاق أبو حامد بن أبي إسحاق المزكي، النيسابوري، في شعبان، وكان إماماً، ومولده سنة ثلاث وعشرين.
وفيها توفي علي بن عمر بن محمد بن الحسن أبو إسحاق الحميري، المعروف بالسكري، وبالحربي، وبالكيال، ومولده سنة ست وتسعين ومائتين.
وفيها توفي أبو الأغر دبيس بن عفيف الأسدي بخوزستان؛ وأبو طالب محمد بن علي بن عطية المكي، صاحب قوت القلوب، روي أنه صنف قوت القلوب وكان قوته عروق البردي. ثم دخلت:

.سنة سبع وثمانين وثلاثمائة:

.ذكر موت الأمير نوح بن منصور وولاية ابنه منصور:

في هذه السنة توفي الأمير الرضي نوح بن منصور الساماني في رجب، واختل بموته ملك آل سامان، وضعف أمرهم ضعفاً ظاهراً، وطمع فيهم أصحاب الأطراف، فزال ملكهم بعد مدةٍ يسيرة.
ولما توفي قام بالملك بعده ابنه أبو الحرث منصور بن نوح، وبايعه الأمراء والقواد وسائر الناس، وفرق فيهم بقايا الأموال، فاتفقوا على طاعته. وقام بأمر دولته وتدبيرها بكتوزون. ولما بلغ خبر موته إلى ايلك خان سار إلى سمرقند، وانضم إليه فائق الخاصة، فسيره جريدة إلى بخارى، فلما سمع بمسيره الأمير منصور تحير في أمره، وأعجله عن التجهز، فسار عن بخارى، وقطع النهر، ودخل فائق بخارى، وأظهر أنه إنما قصد المقام بخدمة الأمير منصور، رعايةً لحق أسلافه عليه، إذ هو مولاهم، وأرسل إليه مشايخ بخارى ومقدمهم في العود إلى بلده وملكه، وأعطاه من نفسه ما يطمئن إليه من العهود والمواثيق، فعاد إليها ودخلها وولي فائق أمره وحكم في دولته، وولي بكتوزون إمرة الجيوش بخراسان.
وكان محمود بن سبكتكين حينئذ مشغولاً بمحاربة أخيه إسماعيل، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وسار بكوتوزن إلى خراسان فوليها، واستقرت القواعد بها.

.ذكر موت سبكتكين وملك ولده إسماعيل:

وفي هذه السنة توفي ناصر الدولة سبكتكين في شعبان، وكان مقامه ببلخ، وقد ابتنى بها دوراً ومساكن، فمرض، وطال مرضه، وانزاح إلى هواء غزنة، فسار عن بلخ إليها، فمات في الطريق، فنقل ميتاً إلى غزنة ودفن فيها، وكانت مدة ملكه نحو عشرين سنة.
وكان عادلاً، خيراً، كثير الجهاد، حسن الاعتقاد، ذا مروة تامة، وحسن عهد ووفاء، لا جرم بارك الله في بيته، ودام ملكهم مدة طويلة جازت مدة ملك السامانية والسلجوقية وغيرهم.
وكان ابنه محمود أول من لقب بالسلطان، ولم يلقب به أحدٌ قبله.
ولما حضرته الوفاة عهد إلى ولده إسماعيل بالملك بعده، فلما مات بايع الجند لإسماعيل، وحلفوا له، وأطلق لهم الأموال، وكان أصغر من أخيه محمود، فاستضعفه الجند، فاشتطوا في الطلب حتى أفنى الخزائن التي خلفها أبوه.

.ذكر استيلاء أخيه محمود بن سبكتكين على الملك:

لما توفي سبكتكين، وبلغ الخبر إلى ولده يمين الدولة محمود بنيسابور، جلس للعزاء، ثم أرسل إلى أخيه إسماعيل يعزيه بأبيه، ويعرفه أن أباه إنما عهد إليه لبعده عنه، ويذكره ما يتعين من تقديم الكبير، ويطلب منه الوفاق، وإنفاذ ما يخصه تركة أبيه. فلم يفعل، وترددت الرسل بينهما فلم تستقر القاعدة. فسار محمود عن نيسابور إلى هراة عازماً على قصد أخيه بغزنة، واجتمع بعمه بغراجق بهراة، فساعده على أخيه إسماعيل، وسار نحو بست، وبها أخوه نصر، فتبعه وأعانه وسار معه إلى غزنة.
وبلغ الخبر إلى إسماعيل، وهو ببلخ، فسار عنها مجداً، فسبق أخاه محموداً إليها؛ وكان الأمراء الذين مع إسماعيل كاتبوا أخاه محموداً يستدعونه، ووعدوه الميل إليه، فجد في المسير، والتقى هو وإسماعيل بظاهر غزنة، واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم إسماعيل وصعد إلى قلعة غزنة فاعتصم بها، فحصره أخوه محمود واستنزله بأمان. فلما نزل إليه أكرمه، وأحسن إليه، وأعلى منزلته، وشركه في ملكه وعاد إلى بلخ واستقامت الممالك له.
وكانت مدة ملك إسماعيل سبعة أشهر، وهو فاضل، حسن المعرفة، له نظم ونثر، وخطب في بعض الجمعات، فكان يقول بعض الخطبة للخليفة: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَني مِنْ تَأوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أنْتَ وَلِيِّي في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنيِ مُسْلِماً وَأَلْحِقْنيِ بِالصَّالحِيِنَ} يوسف: 101.

.ذكر وفاة فخر الدولة بن بويه وملك ابنه مجد الدولة:

في هذه السنة توفي فخر الدولة أبو الحسن علي بن ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه بقلعة طبرق، في شعبان.
وكان سبب ذلك أنه أكل لحماً مشوياً، وأكل بعده عنباً، فأخذه المغص، ثم اشتد مرضه فمات منه. فلما مات كانت مفاتيح الخزائن بالري عند أم ولده مجد الدولة، فطلبوا له كفناً فلم يجدوه، وتعذر النزول إلى البلد لشدة شغب الديلم، فاشتروا له من قيم الجامع ثوباً كفنوه فيه، وزاد شغب الجند فلم يمكنهم دفنه فبقي حتى أنتن ثم دفنوه.
وحين توفي قام بملكه بعده ولده مجد الدولة أبو طالب رستم، وعمره أربع سنين، أجلسه الأمراء في الملك، وجعلوا أخاه شمس الدولة بهمذان وقرميسين إلى حدود العراق. وكان المرجع إلى والدة أبي طالب في تدبير الملك، وعن رأيها يصدرون، وبين يديها، في مباشرة الأعمال، أبو طاهر صاحب فخر الدولة، وأبو العباس الضبي الكافي.

.ذكر وفاة مأمون بن محمد وولاية ابنه علي:

وفيها توفي مأمون بن محمد، صاحب خوارزم والجرجانية، فلما توفي اجتمع أصحابه على ولده علي وبايعوه، واستقر له ما كان لأبيه، وراسل يمين الدولة محمود بن سبكتكين، وخطب إليه أخته، فزوجه، واتفقت كلمتهما وصارا يداً واحدةً إلى أن مات علي وقام بعده أخوه أبو العباس مأمون بن مأمون، واستقر في الملك، فأرسل إلى يمين الدولة يخطب أخته أيضاً، فأجابه إلى ذلك، وزوجه، فداما أيضاً على الاتفاق والاتحاد مدة.
وسيرد من أخباره معه سنة سبع وأربعمائة إن شاء الله تعالى ما تقف عليه.

.ذكر وفاة العلاء بن الحسن وما كان بعده:

في هذه السنة توفي أبو القاسم العلاء بن الحسن نائب صمصام الدولة بخوزستان، وكان موته بعسكر مكرم، وكان شهماً، شجاعاً، حسن التدبير، فأنفذ صمصام الدولة أبا علي بن أستاذ هرمز، ومعه المال، ففرقه في الديلم، وسار إلى جنديسابور فدفع أصحاب بهاء الدولة عنها، وجرت له معهم وقائع كثيرة كان الظفر فيها له، وأزاح الأتراك عن خوزستان، وعادوا إلى واسط، وخلت لأبي علي البلاد، ورتب العمال، وجبى الأموال، وكاتب أتراك بهاء الدولة واستمالهم، فأتاه بعضهم فأحسن إليهم، واستمر حال أبي علي في أعمال خوزستان.
ثم إن أبا محمد بن مكرم والأتراك عادوا من واسط، واستعد أبو علي للحرب، وجرى بينهم وقائع. ولم يكن للأتراك قوة على الديلم، فعزموا على العود إلى واسط ثانياً، فاتفق مسير بهاء الدولة من البصرة إلى القنطرة البيضاء، وكان ما نذكره إن شاء الله.

.ذكر القبض على علي بن المسيب وما كان بعد ذلك:

في هذه السنة قبض المقلد على أخيه علي.
وكان سبب ذلك ما ذكرناه من الاختلاف الواقع بين أصحابهما بالموصل، واشتغل المقلد بما ذكرناه بالعراق، فلما خلا وجهه وعاد إلى الموصل عزم على الانتقام من أصحاب أخيه، ثم خافه، فأعمل الحيلة في قبض أخيه، فأحضر عسكره من الديلم والأكراد وأعلمهم أنه يريد قصد دقوقا، وحلفهم على الطاعة، وكانت داره ملاصقة دار أخيه، فنقب في الحائط ودخل إليه وهو سكران، فأخذه وأدخله الخزانة، وقبض عليه، وأرسل إلى زوجته يأمرها بأخذ ولديه قرواش وبدران واللحاق بتكريت، قبل أن يسمع أخوه الحسن الخبر، ففعلت ذلك، وخلصت، وكانت في الحلة التي له على أربعة فراسخ من تكريت.
وسمع الحسن الخبر، فبادر إلى الحلة ليقبض أولاد أخيه، فلم يجدهم؛ وأقام المقلد بالموصل يستدعي رؤساء العرب ويخلع عليهم، فاجتمع عنده زهاء ألفي فارس، وسار الحسن في حلل أخيه، ومعه أولاد أخيه علي وحرمه، ويستنفرهم على المقلد، فاجتمع معهم نحو عشرة آلاف، وراسل المقلد يؤذنه بالحرب، فسار عن الموصل، وبقي بينهم منزلٌ واحدٌ، ونزل بإزاء العلث، فحضره وجوه العرب، واختلفوا عليه، فمنهم من أشار بالحرب ومنهم رافع بن محمد بن مقن؛ ومنهم من أشار بالكف عن القتال، وصلة الرحم، ومنهم غريب بن محمد بن مقن، وتنازع هو وأخوه.
فبينما هم في ذلك قيل لمقلد: إن أختك رهيلة بنت المسيب تريد لقاءك وقد جاءتك؛ فركب وخرج إليها، فلم تزل معه حتى أطلق أخاه علياً، ورد إليه ماله ومثله معه، وأنزله في خيم ضربها له. فسر الناس بذلك، وتحالفا، وعاد علي إلى حلته.
وعاد المقلد إلى الموصل، وتجهز للمسير إلى أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي لأنه تعصب لأخيه علي، وقصد ولاية المقلد بالأذى فسار إليه.
ولما خرج عليٌ من محبسه اجتمع العرب إليه، وأشاروا عليه بقصد أخيه المقلد، فسار إلى الموصل، وبها أصحاب المقلد، فامتنعوا عليه، فافتتحها، فسمع المقلد بذلك، فعاد إليه، واجتاز في طريقه بحلة أخيه الحسن، فخرج إليه، ورأى كثرة عسكره، فخاف على أخيه علي منه، فأشار عليه بالوقوف ليصلح الأمر، وسار إلى أخيه علي وقال له: إن الأعور، يعني المقلد، قد أتاك بحده وحديده وأنت غافل؛ وأمره بإفساد عسكر المقلد، فكتب إليهم، فظفر المقلد بالكتب فأخذها وسار مجداً إلى الموصل، فخرج إليه أخواه علي والحسن وصالحاه، ودخل الموصل وهما معه.
ثم خاف علي فهرب من الموصل ليلاً، وتبعه الحسن، وترددت الرسل بينهم، فاصطلحوا على أن يدخل أحدهما البلد في غيبة الآخر، وبقوا كذلك إلى سنة تسع وثمانين.
ومات علي سنة تسعين وقام الحسن مقامه، فقصده المقلد ومعه بنو خفاجة، فهرب الحسن إلى العراق، وتبعه المقلد فلم يدركه فعاد.
ولما استقر أمر المقلد، بعد أخيه علي، سار إلى بلد علي بن مزيد الأسدي فدخله ثانية، والتجأ ابن مزيد إلى مهذب الدولة، فتوسط ما بينه وبين المقلد، وأصلح الأمر معه، وسار المقلد إلى دقوقا فملكها.

.ذكر ملك جبرئيل دقوقا:

في هذه السنة ملك جبرئيل بن محمد دقوقا. وجبرئيل هذا كان من الرجالة الفرس ببغداد، وخد مهذب الدولة بالبطيحة، فهم بالغزو، وجمع جمعاً كثيراً، واشترى السلاح وسار فاجتاز في طريقه بدقوقا، فوجد المقلد بن المسيب يحاصرها، فاستغاث أهلها بجبريل فحماهم ومنع عنهم.
وكان بدقوقا رجلان نصرانيان قد تمكنا في البلد، وحكما فيه، واستعبدا أهله، فاجتمع جماعة من المسلمين إلى جبرئيل وقالوا له: إنك تريد الغزو، ولست تدري أتبلغ غرضاً أم لا، وعندنا من هذين النصرانيين من قد تعبدنا، وحكم علينا، فلو أقمت عندنا، وكفيتنا أمرهما، ساعدناك على ذلك. فأقام وقبض عليهما، وأخذ مالهما، وقوي أمره، فملك البلد في شهر ربيع الأول، وثبت قدمه، وأحسن معاملة أهل البلد، وعدل فيهم، وبقي مدة على اختلاف الأحوال.
ثم ملكها المقلد، وملكها بعده محمد بن عناز، ثم أخذها بعده قرواش، ثم انتقلت إلى فخر الدولة أبي غالب، فعاد جبرئيل هذا حينئذ إلى دقوقا، واجتمع مع أمير من الأكراد يقال له موصك بن جكويه، ودفعا عمال فخر الدولة عنها وأخذاها، فقصدها بدران بن المقلد وغلبهما وأخذها منهما.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة خرج أبو الحسن علي بن مزيد على طاعة بهاء الدولة، فسير إليه عسكراً، فهرب من بين أيديهم إلى مكان لا يقدرون على الوصول إليه فيه، ثم أرسل بهاء الدولة وأصلح حاله معه وعاد إلى طاعته.
وفيها توفي أبو الوفاء محمد بن المهندسي الحاسب.
وفيها، في المحرم، توفي عبيدالله بن محمد بن حمران أبو عبدالله العكبري المعروف بابن بطة الحنبلي، وكان مولده في شوال سنة أربع وثلاثمائة، وكان زاهداً، عابداً، عالماً، ضعيفاً في الرواية.
وفيها، في ذي القعدة، توفي أبو الحسين محمد بن أحمد بن إسماعيل المعروف بابن سمعون الواعظ، الزاهد، له كرامات، وكان مولده سنة ثلاثمائة.
وفيها، في تاسع ذي الحجة، توفي الحسن بن عبدالله بن سعيد أبو أحمد العسكري، الراوية، العلامة، صاحب التصانيف الكثيرة في الأدب، واللغة، والأمثال، وغيرها. ثم دخلت:

.سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة:

.ذكر عود أبي القاسم السيمجوري إلى نيسابور:

قد ذكرنا مسير أبي القاسم بن سيمجور أخي أبي علي إلى جرجان ومقامه بها. فلما مات فخر الدولة أقام عنده ولده مجد الدولة، واجتمع عنده جماعة كثيرة من أصحاب أخيه. وكان قد أرسل إلى شمس المعالي يستدعيه من نيسابور ليسلمها إليه، فسار إليه حتى وافى جرجان، فلما بلغها رأى أبا القاسم قد سار عنها، فعاد شمس المعالي إلى نيسابور.
فكتب فائق من بخارى إلى أبي القاسم يغريه ببكتوزون، ويأمره بقصد خراسان، وإخراج بكتوزون عنها لعدواة بينهما. فسار أبو القاسم عن جرجان نحو نيسابور، وسر سرية إلى أسفرايين، وبها عسكر لبكتوزون، فقاتلوهم وأجلوهم عن أسفرايين، واستولى أصحاب أي القاسم عليها، وسار أبو القاسم إلى نيسابور، فالتقى هو وبكتوزون بظاهرها في ربيع الأول، واقتتلوا واشتد القتال بينهم فانهزم أبو القاسم وقتل من أصحابه وأسر خلق كثير.
وسار أبو القاسم إلى قهستان وأقام بها حتى اجتمع إليه أصحابه، وسار إلى بوشنج واحتوى عليها، وتصرف فيها، فسار إليه بكتوزون، وترددت الرسل بينهما، حتى اصطلحا وتصاهرا، وعاد بكتوزون إلى نيسابور.

.ذكر استيلاء محمود بن سبكتكين على نيسابور وعوده عنها:

لما فرغ محمود من أمر أخيه، وملك غزنة، وعاد إلى بلخ رأى بكتوزون قد ولي خراسان، على ما ذكرناه، فأرسل إلى الأمير منصور بن نوح يذكر طاعته والمحاماة عن دولته، ويطلب خراسان، فأعاد الجواب يعتذر عن خراسان ويأمره بأخذ ترمذ وبلخ وما وراءها من أعمال بست وهراة، فلم يقنع بذلك، وأعاد الطلب، فلم يجبه إلى ذلك، فلما تيقن المنع سار إلى نيسابور، وبها بكتوزون، فلما بلغه خبر مسيره نحوه رحل عنها، فدخلها محمود وملكها. فلما سمع الأمير منصور بن نوح سار عن بخارى نحو نيسابور، فلما علم محمود بذلك سار عن نيسابور إلى مرو الروذ، ونزل عند قنطرة راعول ينتظر ما يكون منهم.

.ذكر عود قابوس إلى جرجان:

في هذه السنة عاد شمس المعالي قابوس بن وشمكير إلى جرجان وملكها؛ ولما ملك فخر الدولة بن بويه جرجان والري أراد أن يسلم جرجان إلى قابوس، فرده عن ذلك الصاحب بن عباد، وعظمها في عينه، فأعرض عن الذي أراده، ونسي ما كان بينهما من الصحبة بخراسان، وأنه بسببه خرجت البلاد عن يد قابوس، والملك عقيم.
وقد ذكرنا كيف أخذت منه، ومقامه بخراسان، وإنفاذ ملوك السامانية الجيوش في نصرته مرة بعد أخرى، فلم يقدر الله تعالى عود ملك إليه.
ولما ولي سبكتكين خراسان اجتمع به ووعده أن يسير معه الجيوش ليرده إلى مملكته، فمضى إلى بلخ ومرض ومات.
فلما كان هذه السنة، بعد موت فخر الدولة، سير شمس المعالي قابوس الأصبهبذ شهريار بن شروين إلى جبل شهريار، وعليه رستم بن المرزبان، خال مجد الدولة بن فخر الدولة، فاقتتلا، فانهزم رستم، واستولى الأصبهبذ على الجبل، وخطب لشمس المعالي، وكان باتي بن سعيد بناحية الاستندارية، وله ميل إلى شمس المعالي، فسار إلى آمل، وبها عسكر لمجد الدولة، فطردهم عنها واستولى عليها، وخطب لقابوس، وكتب إليه بذلك.
ثم إن أهل جرجان كتبوا إلى قابوس يستدعونه، فسار إليهم من نيسابور، وسار الأصبهبذ وباتي بن سعيد إلى جرجان، وبها عسكر لمجد الدولة، فالتقوا واقتتلوا، فانهزم عسكر مجد الدولة إلى جرجان، فلما بلغوها صادفوا مقدمة قابوس قد بلغتها، فأيقنوا بالهلاك، وانهزموا من أصحاب قابوس هزيمة ثانية، وكانت قرحاً على قرح، ودخل شمس المعالي جرجان في شعبان من هذه السنة.
وبلغ المنهزمون الري، فجهزت العساكر من الري نحو جرجان، فساروا وحصروها، فغلت الأسعار بالبلد، وضاقت الأمور بالعسكر أيضاً، وتوالت عليهم الأمطار والرياح، فاضطروا إلى الرحيل، فتبعهم شمس المعالي فلحقهم وواقعهم فاقتتلوا، وانهزم عسكر الري وأسر من أعيانهم جماعة كثيرة، وقتل أكثر منهم، فأطلق شمس المعالي الأسرى، واستولى على تلك الأعمال ما بين جرجان وأستراباذ.
ثم إن الأصبهبذ حدث نفسه بالاستقلال، والتفرد عن قابوس، واغتر بما اجتمع عنده من الأموال والذخائر، فسارت إليه العساكر من الري، وعليها المرزبان، خال مجد الدولة، فهزموا الأصبهبذ وأسروه، ونادوا بشعار شمس المعالي لوحشة كانت عند المرزبان من مجد الدولة، وكتب إلى شمس المعالي بذلك، وانضافت مملكة الجبل جميعها إلى ممالك جرجان وطبرستان، فولاها شمس المعالي ولده منوجهر، ففتح الرويان وسالوس، وراسل قابوس يمين الدولة محموداً، وهاداه، وصالحه، واتفقا على ذلك.

.ذكر مسير بهاء الدولة إلى واسط:

في هذه السنة عاد أبو علي بن إسماعيل إلى طاعة بهاء الدولة، وهو بواسط، فوزر له، ودبر أمره، وأشار عليه بالمسير إلى أبي محمد بن مكرم ومن معه من الجند ومساعدتهم، ففعل ذلك، وسار على كرهٍ وضيقٍ، فنزل بالقنطرة البيضاء، وثبت أبو علي بن أستاذ هرمز وعسكره، وجرى لهم معه وقائع كثيرة.
وضاق الأمر ببهاء الدولة، وتعذرت عليه الأقوات، فاستمد بدر بن حسنويه، فأنفذ إليه شيئاً قام ببعض ما يريده، وأشرف بهاء الدولة على الخطر، وسعى أعداء أبي علي بن إسماعيل به حتى كاد يبطش به، فتجدد من أمر ابني بختيار وقتل صمصام الدولة ما يأتي ذكره، وأتاه الفرج من حيث لم يحتسب، وصلح أمر أبي علي عنده، واجتمعت الكلمة عليه، وسيأتي شرح ذلك، إن شاء الله تعالى.

.ذكر قتل صمصام الدولة:

في هذه السنة، في ذي الحجة، قتل صمصام الدولة بن عضد الدولة.
وسبب ذلك أن جماعة كثيرة من الديلم استوحشوا من صمصام الدولة لأنه أمر بعرضهم، وإسقاط من ليس بصحيح النسب، فأسقط منهم مقدار ألف رجل، فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون.
واتفق أن أبا القاسم وأبا نصر ابني عز الدولة بختيار كانا مقبوضين، فخدعا الموكلين بهما في القلعة، فأفرجوا عنهما، فجمعا لفيفاً من الأكراد، واتصل خبرهما بالذين أسقطوا من الديلم، فأتوهم، وقصدوا إلى أرجان، فاجتمعت عليها العساكر، وتحير صمصام الدولة، ولم يكن عنده من يدبره.
وكان أبو جعفر أستاذ هرمز مقيماً بفسا، فأشار عليه بعض من عنده بتفريق ما عنده من المال في الرجال، والمسير إلى صمصام الدولة،، وأخذه إلى عسكره بالأهواز، وخوفه إن لم يفعل ذلك. فشح بالمال، فثار به الجند ونهبوا داره وهربوا، فاختفى، فأخذ وأتي به إلى ابني بختيار، فحبس، ثم احتال فنجا.
وأما صمصام الدولة فإنه أشار عليه أصحابه بالصعود إلى القلعة التي على باب شيراز والامتناع بها إلى أن يأتي عسكره ومن يمنعه، فأراد الصعود إليها، فلم يمكنه المستحفظ بها، وكان معه ثلاثمائة رجل، فقالوا له: الرأي أننا نأخذك ووالدتك، ونسير إلى أبي علي بن أستاذ هرمز؛ وأشار بعضهم بقصد الأكراد وأخذهم والتقوي بهم، ففعل ذلك، وخرج معهم بخزائنه وأمواله، فنهبوه، وأرادوا أخذه فهرب وسار إلى الدودمان، على مرحلتين من شيراز.
وعرف أبو نصر بن بختيار الخبر، فبادر إلى شيراز، ووثب رئيس الدودمان، واسمه طاهر، بصمصام الدولة فأخذه، وأتاه أبو نصر بن بختيار وأخذه منه فقتله في ذي الحجة، فلما حمل رأسه إليه قال: هذه سنة سنها أبوك، يعني ما كان من قتل عضد الدولة بختيار.
وكان عمر صمصام الدولة خمساً وثلاثين سنة وسبعة أشهر، ومدة إمارته بفارس تسع سنين وثمانية أيام، وكان كريماً حليماً. وأما والدته فسلمت إلى بعض قواد الديلم، فقتلها وبنى عليها دكة في داره، فلما ملك بهاء الدولة فارس أخرجها ودفنها في تربة بني بويه.

.ذكر هرب ابن الوثاب:

في هذه السنة هرب أبو عبدالله بن جعفر المعروف بابن الوثاب من الاعتقال في دار الخلافة.
وكان هذا الرجل يقرب بالنسب من الطائع، فلما خلع الطائع هرب هذا وصار عند مهذب الدولة، فأرسل القادر بالله في أمره، فأخرجه، فسار إلى المدائن، وأتى خبره إلى القادر فأخذه وحبسه، فهرب هذه السنة، ومضى إلى كيلان، وادعى أنه هو الطائع لله، وذكر من أمور الخلافة ما كان يعرفه، وزوجه محمد بن العباس، مقدم كيلان، وشد منه، وأقام له الدعوة، وأطاعه أهل نواحٍ أخر، وأدوا إليه العشر على عادتهم.
وورد من هؤلاء القوم جماعة يحجون، فأحضرهم القادر وكشف لهم حاله، وكتب على أيديهم كتباً في المعنى، فلم يقدح ذلك فيه. وكان أهل كيلان يرجعون إلى القاضي أبي القاسم بن كج، فكوتب من بغداد في المعنى، فكشف لهم الأمر، فأخرجوا أبا عبدالله عنهم.